السبت، 18 يناير 2014

درس النظرية والتجربة: المحور الأول : التجربة والتجريب

يندرج النقاش حول المعرفة العلمية في إطار مبحث الإبستمولوجية، وبالتالي يجب الإنتباه إلى طبيعة المصطلحات المستعملة، ويطرح المحور الأول التجربة التجريب قضية أساسية تنبع من مفارقة معاشة في بناء المعرفة بشكل عام والمعرفة العلمية على وجه الخصوص، وتتمثل في كون المعرفة العلمية تستمد صدقيتها من التجربة، ولكن هل هذا يلغي الخيال والفكر وبالتالي العقل، بمعنى آخر هل يمكن القبول بأن التجربة وحدها كفيلة بتفسير الظواهر الطبيعية؟ أم أن الخيال جزء لا يمكن استبعاده في بناء النظرية العلمية؟
كلود برنار كما الإتجاه الكلاسيكي عموما يعتبر أن التجربة العلمية هي القول الفصل في بناء ما هو علمي، فالتجربة هي منبع النظرية ومعيار صحتها، وبالتالي يتم التركيز منذ فرانسيس بيكون على ضرورة استبعاد أي تدخل في التفسير ما لم يكن مرتبط بالتجربة، وسوف تحتل الملاحظة الدقيقة قطب الرحى في التجربة العلمية، وذلك لاستبعاد أي مكون ميتافيزيقي في تفسير الظواهر الطبيعية، فالملاحظ حسب برنار يشبه آلة التصوير عليه أن ينصت للطبيعة. وبهذا سوف تكون تفسيراته تبعا للملاحظة الدقيقة والشمولية، فالفرضيات إذن تابعة للملاحظة، كما سيكون القانون النهائي تابع للتحقق التجريبي. بهذا يتبين أن الموقف الكلاسيكي من التجربة العلمية يرجح كافة التجربة أي الواقع على العقل في بناء النظرية العلمية.
هذا الموقف لم يكن قادرا على الصمود أمام التغيرات التي طرحها تطور المعرفة العلمية، حيث ظهرت نظريات علمية لا يمكن الإعتماد في بنائها ولا في فحص مدى صحتها على التجربة بمفهومها الكلاسيكي. ةهذا ما دفع إلى تأسيس التجربة بمفهةمها المعاصر. هذه الأخيرة يحددها روني طوم بكونها تستند إلى الخيالي بقدر استنادها إلى العقلي. وهذا لم يكن إلا التعبير الواضح عن التغير الذي عرفته العقلانية العلمية. أي الإنتقال من العقلانية العلمية الكلاسيكية إلى المعاصرة.