الخميس، 3 مايو 2012

مفهوم الحرية

الحرية 
   ليس عبثا أن يكون مفهوم الحرية آخر مفهوم في برنامج السنة الثانية باكالوريا، مفهوم الحرية أثير في أول درس، درس الشخص، خاصة في المحور الثالث والأخير، الشخص بين الضرورة والحرية. ويمكن ملاحظة أن هذا المحور استهدف التوصل إلى تحديد مدى مسؤولية الشخص عن بناء شخصيته من جهة، وتحديد مسؤولية الشخص بالتالي عن أفعاله. أما الهدف الأساسي للدرس الآن فالهدف منه تأمل المفهوم، من خلال الجواب عن التساؤلات التالية: 
         هل يمكن للفرد أن يتحكم في حياته؟
         هل الحرية حق أم واقع؟
          ما حقيقة الحرية بالتالي؟
   يمكن أن نجيب على هذه التساؤلات وغيرها من خلال مدخل بسيط، وهو العرض التاريخي، والتركيز على تلون مفهوم الحرية داخل كل مرحلة تاريخية. ولكي نكون موجزين في العرض سوف أكتفي بتحديد المراحل التالية، وهي كافية لإغناء النقاش حول المفهوم وتبسيط فهم المواقف الفلسفية التي تدخل في بناء الدرس.
       المرحلة اليونانية: يمكن التركيز فيه على أن الحرية في مواجهة الغرائز والأهواء.فالحرية هي موافقة العقل. لكنها واقعيا ارتبطت بالأسياد وحرم منها العبيد.
       المرحلة الإسلامية: طورت الفكر الإسلامي نقاشا حول الحرية تجاوز الطرح اليوناني، وتعددت المواقف حول الحرية، من الأشاعرة أصحاب الموقف التوفيقي، وبين المعتزلة أنصار الحرية، والجبرية أنصار الحتمية كما يدل على ذلك اسمهم. وهنا يبرز موقف ابن رشد وقيمته أنه تميز بكونه موقف فلسفي وديني، يجمع بين الحرية والحتمية دون تناقظ بينهما.
       المرحلة الحديثة: تم التركيز فيها على علاقة الحرية بالإرادة، فاعتبرها ديكارت مرتبطة بالمعرفة، أي بالقدرة الداخلية، المرتبطة بالذات الواعية المفكرة، في حين رأى إمانويل كانط أن الإرادة الحرة تجد تجسيدها في الفعل الأخلاقي الصادر عن الإرادة، المعبرة عن العقل المواجه للغرائز والأهواء، والفرد بالتالي يخضع لتوجيهات عقله، وبهذا فالفرد حر لأنه يخضع فقط لتوجيهات عقله.
       المرحلة المعاصرة: تميزت هذه المرحلة بالإكتشافات العلمية بشكل عام والعلوم الإنسانية بشكل خاص، وهذا فرض تحديات جديدة، ولنضرب مثلا بسيطا وهي التطورات المرتبطة  بالإكتشافات المرتبطة بالجينوم البشري، ومحاولة تفسير السلوك باعتباره فقط تعبير عن الخصائص البيولوجية الموروثة، التحديات واجهها الفلاسفة بالتركيز على أن الحرية الإنسانية غير قابلة للنقاش، فاعتبار الفرد حرا هو أساس الأخلاق، وأساس تحميله المسؤولية عن أفعاله. وبدأ التركيز عن الجانب الواقعي للحرية، أي ربطها بالجانب السياسي، فالحرية بالتالي مرتبط بالقانون الذي يعبر عن إرادة الجماعة. وهذا يجعلنا نتأكد أن الحرية تبقى من مسؤولية الإنسان، إنه مؤتمن عليها.