الثلاثاء، 29 أكتوبر 2013

تحليل نص سارتر، الإنسان مشروع


النص:
   يعرف الإنسان بمشروعه. هذا الكائن المادي يتجاوز دائما الوضعية التي يوجد فيها ويحددها بالتعالي عليها لكي يتموضع بواسطة الشغل والفعل أو الحركة. ولا يجب الخلط بين المشروع وبين الإرادة التي هي كيان مجرد، وإن كان المشروع قد يتخذ صورة إرادية في بعض الظروف. إن هذه العلاقة المباشرة مع الآخر المغاير للذات (...) وهذا الإنتاج الدائم للذات بواسطة الشغل والممارسة هو بنيتنا الخاصة. وإذا لم يكن [المشروع] إرادة، فهو ليس حاجة أو هوى كذلك. إلا أن حاجتنا مثل أهوائنا، وأكثر أفكارنا تجريدا ترجع إلى هذه البنية، فهي دائما خارجة عن ذاتها نحو (...) ذاك ما نسميه الوجود، ولا نعني بذلك جوهرا ثابتا مرتكزا على ذاته، بل نعني به عدم استقرار دائم واقتلاعا لكامل الجسم خارج ذاته.
   وبما أن هذه الوثبة نحو التموضع تتخذ أشكالا متنوعة بحسب الأفراد، وبما أنها تلقي بنا داخل مجال من الإمكانات نحقق البعض منها دون البعض الآخر، فإننا نسميها كذلك اختيارا وحرية. غير أنه يرتكب خطأ عظيم إذا ما وقع اتهامنا بإدخال اللامعقول أو أننا نختلق "بداية أولى" لا علاقة لها بالعالم أو أننا نمنح الإنسان حرية –صنمية. وفي الواقع، لا يمكن أن يصدر هذا الاعتراض إلا عن فلسفة آلية. ومن يوجه إلينا هذا الاعتراض، إنما يريد إرجاع الممارسة والخلق والاختراع إلى إعادة إنتاج المعطيات الأولية لحياتنا، إنه يريد تفسير الأثر والفعل أو الموقف بعوامل إشراطها، وإن رغبته في التفسير تخفي إرادة جعل المركب مماثلا للبسيط، ونفي خصوصيات البنيات وإرجاع التغير إلى الهوية، وهو ما يمثل من جديد سقوطا في الحتمية العلموية.
   وعلى العكس من ذلك يرفض المنهج الجدلي فكرة الاختزال، واعتماد طرح معاكس، يقوم على التجاوز مع المحافظة، بحيث إن أطراف التناقض -الذي وقع تجاوزه- غير قادرة على بيان التجاوز ذاته ولا على التأليف اللاحق. إن هذا الأخير –على العكس من ذلك- هو الذي يضيء هذه الأطراف ويتيح فهمها.
جان بول سارتر، نقد العقل الجدلي غاليمار، 1960، ص : 95
Jean Paul-Sartre, Critique de la raison dialectique 
الكتاب المدرسي: في رحاب الفلسفة
الفهم:
1-  المفاهيم:
 
التعـالي:  خاصية الذات التي لا تنفصل عن حريتها ويرتبط بقصدية الوعي أي بقدرته على الإحالة إلى ما هو خارج الوعي.
المشروع: يدل على خاصية انفتاح الوجود البشري على ما هو ممكن في المستقبل كتجاوز للوجود الحاضر.
الإرادة: صفة تميز الطبع، قرار الفعل أو عدم الفعل، وبالتالي القدرة على التصرف تبعا لما يمليه العقل.
الحرية: التصرف دون إكراه، القدرة على الفعل وفق الإرادة.
الحتمية العلموية: العلموية، نسبة إلى العلم، أما الحتمية، فتشير إلى مبدأ علمي يعني الضرورة والحتمية، والعبارة إشارة إلى القانون الذي يميز الظواهر الطبيعية، ارتباط النتيجة بالسبب بشكل آلي حتمي.
 المنهج الجدلي: هو عملية أو صيرورة بمثابة قانون تحكم الفكر والواقع عن طريق الصراع بين الأفراد، وعرف هذا المنهج بشكل كبير عند الفيلسوف الألماني هيجل ضمن ما يسمى بجدلية الفكر: أطروحة، نقيضها ،تركيب.

2- الأفكار الأساسية:
 
+  يتميز الإنسان بقدرته على تجاوز الوضعية التي يوجد فيها وذلك بالتعالي        عليها لكي يتموضع بواسطة الشغل في إمكانات مستقبلية.
+ الاعتراض على الحرية والاختيار يسقطنا في الحتمية العلمية.
 إن اعتماد المنهج الجدلي وحده يستطيع أن يفسر ما يميز الوجود الإنساني.

الكتابة الإنشائية:

1- الفهم: 
    النص يندرج في إطار مجزوءة الوضع البشري، خاصة مفهوم الشخص، يطرح إشكالية صريحة وواضحة هي الحرية الإنسانية، حيث يبين كيف أن حقيقة الإنسان هي الحرية، في مقابل المواقف المعترضة على حريته، والتي تتشبث بكون الوجود الإنساني خاضع لقوانين صارمة.وبهذا يبدو أن الشخص ذات حرة من حيث هو كذلك، في مقابل اعتباره نتاج لبنيات تحدد وجوده ومصيره. وهذا ما يدفعنا إلى التساؤل حول حقيقة الحرية الإنسانية، فهل الشخص ذات حرة فعلا أم أنه كيان خاضع للحتميات؟ ألا يمكن القول أن الشخص في نفس الوقت ذات حرة ووجود خاضع للضرورة؟
2- التحليل:
يرى سارتر أن الإنسان وجود يتحدد بكونه حرية واختيار، ذلك أن الإنسان مشروع، فذاته وحقيقته  لا تتحدد قبل وجوده، بل يوجد أولا ثم بعد ذلك يصنع بنفسه ما يشاء، إنه مشروع يتميز بالتعالي على وضعيته لا بانغلاقه على كينونته، بل منفتحا على العالم وعلى الآخرين، فالإنسان يوجد أولا ويلاقي ذاته وهو غير حامل لأية صفات أو ماهية قبلية.
وينطلق سارتر في تحديده للإنسان بكونه مشروعا، وذلك بقدرته على التعالي على الوضعيات التي يوجد فيها بفضل العمل والشغل والفعل والحركة، وهذا ما يجعله يحقق أحد الممكنات في المستقبل وبالتالي يجسد حريته بشكل واقعي. بعد ذلك يعرض الموقف المعترض على هذا الطرح الذي يتهم الموقف الوجودي الذي يجسده صاحب النص بكونه موقفا  يغالي في تقدير الحرية، أي بكونها حرية صنمية خارجة بالتالي عن الظروف الواقعية، هذا الإعراض يسقط في تناقضات متعددة كالخلط بين المركب والبسيط والهوية والتغير، كما يرجعنا إلى الحتمية العلموية، وبالتالي جعل الإنسان كباقي الأشياء. وأخيرا يذكر صاحب النص بأن المنهج الجدلي وحده يستطيع تجاوز التناقضات باستيعابها. وبالتالي قدرته على فهم الوجود الإنساني بشكل متكامل.
اعتمد صاحب النص على آلية حجاجية تمثلت في العرض،حيث عرض موقفه بالتأكيد أن الإنسان حرية.
كما عرض الموقف النقيض: الموقف الرافض للحرية، الموقف العلمي، وبين التناقضات التي سقط فيها هذا الأخير.
يكشف صاحب النص إذن على أن الوجود الإنساني وجود حر، وأن محاولة اختزاله واعتباره كشيء مردها إلى التناول العلمي، لهذا يجب دراسة الإنسان بأدوات قادرة على استيعاب كل غنى الوجود الإنساني وهذا ما يوفره المنهج الجدلي.
 
3- المناقشة:
 
يمكن الانفتاح في مناقشة أطروحة النص على المواقف التالية:
+ الموقف العلمي، العلوم الإنسانية، كموقف فرويد مثلا
موقف محمد عزيز الحبابي
  
4- التركيب:
يمكن الإستنتاج أن صاحب النص يؤكد على الحرية في مقابل المواقف العلمية التي تختزل الوجود الإنساني، إلا أن هذه المواقف تؤكد بالمقابل أن فهم السلوك الإنساني لا يتم إلا بالرجوع للبنيات التي تحدد وجوده، وهذا ما يبين محمد عزيز الحبابي أنه يمكن استيعابه باعتبار أن الوجود الإنساني يكتسب حريته بفضل وعيه بالحتميات الواقعية، وهو ما يمكنه من تجاوزها. بهذا يجمع الحبابي بشكل لا يخلوا من إبداع بين المواقف السابقة.
 
 

هناك تعليقان (2):